خَيْر النَّاس من عاش مع اَلقُرآن مُتعلِّمًا ومعْلَمًا
مِن أَعظَم مَا يَتَقرَّب بِه العبْد إِلى رَبِّه تَعالَى تِلاوة القرآن الكريم كِتابه وَحفظِه وتدبُّره ، فَاَللَّه تَعالَى أَمْر نبيِّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم بِتلاوة مَا أَنزَل إِلَيه
فَقَال : ( ورتِّل الْقرْآن ترْتيلًا ) ( اَلمُزمل 4 )
وقد حثَّ اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم على وسلم تِلاوَته كمَا فِي حديث أَبِي ذر رَضِي اَللَّه عَنْه عن اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم
قال ( عليْك بِتلاوة اَلقُرآن فَإنَّه نُور لَك فِي الأرْض وَذُخر لَك فِي السَّمَاء ) رَوَاه اِبْن حَيَّان فِي حديث طويل ،
والتِّلاوة لِكتاب اَللَّه
تُورَّث الدَّرجات العالية فِي الجنَّة كمَا فِي حديث عَبْد اَللَّه بْن عُمَر مَرفُوعا :
( يُقَال لِصاحب اَلقُرآن اِقْرأ وَأرتِق وَرتَّل كمَا كُنْت تُرتِّل فِي الدُّنْيَا فَإِن منْزلك عِنْد آخر آية تقْرؤهَا ) رَوَاه أَبُو دَاوُد والتِّرْمذي .
وَمِن تَأمُل هذَا عِلْم أنَّ خَيْر النَّاس من عاش مع اَلقُرآن الكريم مُتعلِّمًا ومعْلَمًا كمَا روى عُثْمان رَضِي اَللَّه عَنْه عن اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم قال : ( خَيرُكم مِن تَعلُّم اَلقُرآن وَعلمِه ) رَوَاه أَبُو دَاوُد والتِّرْمذي .
قال : أَبُو عَبْد الرَّحْمن اَلسلْمِي رَاوِي اَلحدِيث عن عُثْمان : فَذَاك اَلذِي أقْعدَني مَقْعَدي ، فَكَان يَعلَم اَلقُرآن الكريم مِن زمن عُثْمان إِلى زمن اَلحُجاج .
ومعْنى هذَا أنَّ خَيْر النَّاس مِن أَقبَل على تَعلُّم اَلقُرآن حِفْظًا وتلاوة وتدبُّرًا ، وعلْمه غَيرَه حِفْظًا وتلاوة وتدبُّرًا ،
وَهذِه الخيْريَّة مُطلَقَة لِأنَّهَا تَتَعلَّق بِكلام اَللَّه ، وخيْر الكلَام كَلَام اَللَّه ، والْجامع بَيْن تَعلُّم اَلقُرآن وتعْليمه مُكمِّل لِنفْسه وَلغيْرِه ، جَامِع بَيْن النَّفْع القاصر والنَّفْع المتعدِّي ، وَلِهذَا كان أَفضَل ؛ وَهُو مِن جُملَة مِن عنى سُبْحانه وَتَعالَى بِقوْله :
( ومن أَحسَن قوْلًا مِمَّن دعَا إِلى اللَّه وَعمِل صالحًا وَقَال إِنَّني مِن الْمسْلمين ) ( فَصلَت 33 )
وَهذِه الخيْريَّة يسْتحقُّهَا العبْد فِي الدُّنْيَا وَفِي القبْر ، وَفِي اَلآخِرة ،
أَمَّا فِي الدُّنْيَا ،
فَلحدِيث أَبِي مَسعُود رَضِي اَللَّه عَنْه قال : قال رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عَلِي وَسلَّم : ( يَؤُم القوْم أقْرأْهم لِكتاب اَللَّه فَإِن كَانَت قِراءتهم سَوَاء ، فلْيؤمّهم أقْدمهم هِجْرَة ) اَلحدِيث رَوَاه اِبْن مَاجَه .
وَأمَّا فِي القبْر ،
فَلمَّا رَوَاه جَابِر بْن عَبْد اَللَّه رَضِي اَللَّه عَنهُما قال : ( كان اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم يَجمَع بَيْن الرَّجليْنِ مِن قَتلَى أحد فِي ثَوْب وَاحِد ثُمَّ يَقُول : أيّهم أَكثَر أخْذًا لِلْقرْآن ، فَإذَا أُشير لَه إِلى أَحدِهما قَدمَه فِي اللَّحْد ) رَوَاه البخاري .
وَأمَّا فِي اَلآخِرة ،
فَلمَّا رَوَاه عَبْد اَللَّه بْن عَمرُو رَضِي اَللَّه عَنْه عن اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم قال : ( يُقَال لِصاحب اَلقُرآن اِقْرأ وَأرتِق وَرتَّل كمَا كُنْت تُرتِّل فِي الدُّنْيَا فَإِن منْزلَتك عِنْد آخْرآيَّة تَقرَأ بِهَا ) رَوَاه أَبُو دَاوُد التِّرْمذي .
يُمثِّل هذَا اَلحدِيث بَيَان شرف اَلقُرآن الكريم وَفضَّل تَعلمُه وتعْليمه ، كمَا فِيه بَيَان أنَّ أَفضَل اَلعُلوم مَا كان لَه صِلة بِهَذا اَلقُرآن الكريم ، وَهُو أيْضًا دليل على فَضْل حَامِل هذَا اَلقُرآن ، مُتعلِّمًا كان أو مَعْلَما إِذَا كان عاملا بِمَا فِيه ، وَمخلِصا فِي تَعلمِه وتعْليمه